إن الميل نحو العصر
الإمبريالى الجديد الذي أعلنته صحافة المال الدولية واضح ومفهوم إلى جانب
اتساع الانقسام بين الشمال والجنوب وتقدمه صوب المناطق الغنية. ثمة ميول
معاكسة أيضاً، فقد تغير الكثير خلال السنوات الثلاثين الماضيات، لو أن
الذكرى 500 للنظام العالمي القديم قد حلت عام 1962 لكان احتفل بها ثانية
بوصفها تحريراً للنصف الغربي. أما في عام 1992 فكان ذلك مستحيلاً لأنه قلة
من الناس فقط ما زالوا يستطيعون الحديث عن مهمتنا في "قتل الأشجار
والهنود".
صحيح أن الغزو الأوروبي قد صار الآن رسمياً يسمى "مواجهة"، إلا أن قطاعات كبيرة من السكان ترفض هذه الكلمة المتأنقة لأنها تعدو كونها تخفيفاً لعدوانية سابقتها. تعتبر أشكال الرفض المحلي لعنف الدولة، والتي صارت القيادة السياسية في الولايات المتحدة مدركة لها، نقطة أخرى في هذا السياق. شعر كثيرون بالإحباط لأن حركة السلام لم تستطع منع حرب الخليج. لكنهم لا يتذكرون أن الاحتجاجات الواسعة قد سبقت، وربما للمرة الأولى بدء القصف. انه تغير جذري عن حالة قصف جنوب فيتنام قبل ثلاثين عاماً خلت. ذلك القصف الذي تم دون أية ذريعة، مهما تكن واهية.
لقد بلغ اختمار الستينات دوائر أوسع كثيراً في السنوات اللاحقة، مثيراً حساسية جديدة ضد الاضطهاد العنصري والجنسي، واهتماماً بالبيئة، واحتراماً للثقافات الأخرى ولحقوق الإنسان. من أبرز الأمثلة على ذلك حركات التضامن مع العالم الثالث في الثمانينيات باهتمامها، الذي لا سابق له، بحياة ومصير الضحايا. إن بوسع عملية تنامي الحس الديموقراطي والاهتمام بالعدالة الاجتماعية أن تحمل دلالات كبيرة. يعتبر أصحاب السلطة هذه التطورات خطرة وهدامة، ويدينونها بشدة، وهو أمر مفهوم. إنها تهدد مبدأ السادة الوضيع وكل ما ينتج عنه بالخطر المستطير. وهي أيضاً تقدم أملاً حقيقياً وحيداً للكتلة الكبرى من البشر في هذا العالم، بل وحتى لبقاء النوع البشري في عصر المشاكل البيئة وغيرها من المشاكل التي لا يمكن مواجهتها بين اجتماعية وثقافية بدائية مرفوعة بالمكاسب المادية قصيرة الأمد التي تنظر إلى الكائن البشري كوسيلة لا كفاية.
ضمن هذه المقاربة يسوق نعوم تشومسكي معلومات مكثّفة عن دور الولايات المتحدة الاستعماري الاستبدادي عبر التاريخ، واضعاً تلك المعلومات ضمن منظور تاريخي مديد هو حصيلة السنوات الخمسمئة التي أعقب رحلات كولومبس، امتداداً إلى الآن والنتيجة، عدم تغير دور الولايات في الإخضاع والفتح على مر السنين إلا قليلاً: في هاييتي أمريكا اللاتينية، كوبا، أندونيسيا، وحتى جيوب العالم الثالث التي تنمو داخل الولايات المتحدة. وبالحقيقة ان ما يقيمه نعوم تشومسكي هو موازاة بين الإبادة الجماعية زمن الاستعمار وبين القتل والاستغلال المرتبطان بإمبريالية اليوم. تغير العنوان وبقي المضمون. تغير اسم الاستعمار الأميركي وبقي فعله تحت مسميات معاصرة شاملاً كل أنحاء العالم.
#المؤلف: نعوم تشومسكي.
صحيح أن الغزو الأوروبي قد صار الآن رسمياً يسمى "مواجهة"، إلا أن قطاعات كبيرة من السكان ترفض هذه الكلمة المتأنقة لأنها تعدو كونها تخفيفاً لعدوانية سابقتها. تعتبر أشكال الرفض المحلي لعنف الدولة، والتي صارت القيادة السياسية في الولايات المتحدة مدركة لها، نقطة أخرى في هذا السياق. شعر كثيرون بالإحباط لأن حركة السلام لم تستطع منع حرب الخليج. لكنهم لا يتذكرون أن الاحتجاجات الواسعة قد سبقت، وربما للمرة الأولى بدء القصف. انه تغير جذري عن حالة قصف جنوب فيتنام قبل ثلاثين عاماً خلت. ذلك القصف الذي تم دون أية ذريعة، مهما تكن واهية.
لقد بلغ اختمار الستينات دوائر أوسع كثيراً في السنوات اللاحقة، مثيراً حساسية جديدة ضد الاضطهاد العنصري والجنسي، واهتماماً بالبيئة، واحتراماً للثقافات الأخرى ولحقوق الإنسان. من أبرز الأمثلة على ذلك حركات التضامن مع العالم الثالث في الثمانينيات باهتمامها، الذي لا سابق له، بحياة ومصير الضحايا. إن بوسع عملية تنامي الحس الديموقراطي والاهتمام بالعدالة الاجتماعية أن تحمل دلالات كبيرة. يعتبر أصحاب السلطة هذه التطورات خطرة وهدامة، ويدينونها بشدة، وهو أمر مفهوم. إنها تهدد مبدأ السادة الوضيع وكل ما ينتج عنه بالخطر المستطير. وهي أيضاً تقدم أملاً حقيقياً وحيداً للكتلة الكبرى من البشر في هذا العالم، بل وحتى لبقاء النوع البشري في عصر المشاكل البيئة وغيرها من المشاكل التي لا يمكن مواجهتها بين اجتماعية وثقافية بدائية مرفوعة بالمكاسب المادية قصيرة الأمد التي تنظر إلى الكائن البشري كوسيلة لا كفاية.
ضمن هذه المقاربة يسوق نعوم تشومسكي معلومات مكثّفة عن دور الولايات المتحدة الاستعماري الاستبدادي عبر التاريخ، واضعاً تلك المعلومات ضمن منظور تاريخي مديد هو حصيلة السنوات الخمسمئة التي أعقب رحلات كولومبس، امتداداً إلى الآن والنتيجة، عدم تغير دور الولايات في الإخضاع والفتح على مر السنين إلا قليلاً: في هاييتي أمريكا اللاتينية، كوبا، أندونيسيا، وحتى جيوب العالم الثالث التي تنمو داخل الولايات المتحدة. وبالحقيقة ان ما يقيمه نعوم تشومسكي هو موازاة بين الإبادة الجماعية زمن الاستعمار وبين القتل والاستغلال المرتبطان بإمبريالية اليوم. تغير العنوان وبقي المضمون. تغير اسم الاستعمار الأميركي وبقي فعله تحت مسميات معاصرة شاملاً كل أنحاء العالم.
#المؤلف: نعوم تشومسكي.